الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

دعاه يهوه «صديقي»‏

دعاه يهوه «صديقي»‏

‏«أَمَّا أَنْتَ يَا إِسْرَائِيلُ فَخَادِمِي،‏ وَأَنْتَ يَا يَعْقُوبُ مَنِ ٱخْتَرْتُ،‏ نَسْلُ إِبْرَاهِيمَ صَدِيقِي».‏ —‏ اش ٤١:‏٨‏.‏

اَلتَّرْنِيمَتَانِ:‏ ٩١،‏ ٢٢

١،‏ ٢ ‏(‏أ)‏ كَيْفَ نَعْرِفُ أَنَّ فِي وِسْعِ ٱلْبَشَرِ أَنْ يُصْبِحُوا أَصْدِقَاءَ ٱللهِ؟‏ (‏ب)‏ مَاذَا سَنَتَفَحَّصُ فِي هٰذِهِ ٱلْمَقَالَةِ؟‏

اَلْمَحَبَّةُ حَاجَةٌ مَاسَّةٌ لَدَى ٱلْبَشَرِ جَمِيعًا،‏ مِنْ لَحْظَةِ ٱلْوِلَادَةِ حَتَّى ٱلْمَمَاتِ.‏ وَلَا نَعْنِي بِذٰلِكَ ٱلْحُبَّ ٱلرُّومَنْطِيقِيَّ فَقَطْ.‏ فَنَحْنُ نَتُوقُ إِلَى أَنْ تَجْمَعَنَا بِٱلْآخَرِينَ صَدَاقَاتٌ حَمِيمَةٌ أَسَاسُهَا ٱلْمَحَبَّةُ.‏ غَيْرَ أَنَّ مَحَبَّةَ ٱللهِ لَنَا هِيَ حَاجَتُنَا ٱلْعُظْمَى.‏ وَبِٱلنِّسْبَةِ إِلَى كَثِيرِينَ،‏ تَبْدُو فِكْرَةُ ٱلصَّدَاقَةِ ٱلْحَمِيمَةِ مَعَ ٱللهِ غَرِيبَةً؛‏ لِأَنَّهُ ٱلْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ،‏ سَاكِنُ ٱلسَّمَاءِ غَيْرُ ٱلْمَنْظُورِ.‏ أَمَّا نَحْنُ فَلَا نُشَاطِرُهُمُ ٱلرَّأْيَ لِأَنَّنَا نَعْرِفُ ٱلْحَقِيقَةَ.‏

٢ فَٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ يَتَحَدَّثُ عَنْ بَشَرٍ نَاقِصِينَ أَصْبَحُوا أَصْدِقَاءَ ٱللهِ.‏ وَيَحْسُنُ بِنَا أَنْ نَتَأَمَّلَ فِي أَمْثِلَتِهِمْ.‏ فَٱلصَّدَاقَةُ مَعَ ٱللهِ هِيَ أَهَمُّ هَدَفٍ نَسْعَى إِلَيْهِ فِي ٱلْحَيَاةِ.‏ وَأَحَدُ ٱلْأَمْثِلَةِ ٱلْبَارِزَةِ فِي هٰذَا ٱلْمَجَالِ هُوَ إِبْرَاهِيمُ.‏ ‏(‏اقرأ يعقوب ٢:‏٢٣‏.‏)‏ فَكَيْفَ حَظِيَ بِهٰذِهِ ٱلْعَلَاقَةِ ٱلْحَمِيمَةِ بِيَهْوَهَ؟‏ أَحَدُ ٱلْعَوَامِلِ ٱلْأَسَاسِيَّةِ هُوَ إِيمَانُهُ.‏ وَٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ يَدْعُوهُ «أَبًا لِجَمِيعِ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ».‏ (‏رو ٤:‏١١‏)‏ فَلْنَتَفَحَّصْ كَيْفَ أَكْسَبَهُ إِيمَانُهُ صَدَاقَةً حَمِيمَةً مَعَ ٱللهِ.‏ وَلْيَسْأَلْ كُلٌّ مِنَّا نَفْسَهُ:‏ ‹كَيْفَ أَقْتَدِي بِإِيمَانِ إِبْرَاهِيمَ وَأُقَوِّي صَدَاقَتِي مَعَ يَهْوَهَ؟‏›.‏

كَيْفَ أَصْبَحَ إِبْرَاهِيمُ صَدِيقَ يَهْوَهَ؟‏

٣،‏ ٤ ‏(‏أ)‏ صِفْ أَعْظَمَ ٱمْتِحَانٍ لِلْإِيمَانِ وَاجَهَهُ إِبْرَاهِيمُ.‏ (‏ب)‏ لِمَ كَانَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى ٱسْتِعْدَادٍ لِتَقْدِيمِ ٱبْنِهِ ذَبِيحَةً؟‏

٣ تَخَيَّلْ رَجُلًا مُسِنًّا يَصْعَدُ ٱلْجَبَلَ بِخُطًى مُتَثَاقِلَةٍ.‏ إِنَّهَا أَصْعَبُ رِحْلَةٍ فِي حَيَاتِهِ.‏ لٰكِنَّ مَا يُثْقِلُ خُطَاهُ لَيْسَ عُمْرَهُ.‏ فَإِبْرَاهِيمُ لَا يَزَالُ قَوِيًّا،‏ مَعَ أَنَّ عُمْرَهُ يُقَارِبُ ١٢٥ سَنَةً.‏ ‏[١]‏ وَعَلَى بُعْدِ خُطُوَاتٍ فِي ٱلْخَلْفِ،‏ يَسِيرُ شَابٌّ فِي ٱلْـ‍ ٢٥ مِنَ ٱلْعُمْرِ تَقْرِيبًا.‏ إِنَّهُ ٱبْنُهُ إِسْحَاقُ،‏ وَهُوَ يَحْمِلُ حَطَبًا.‏ أَمَّا إِبْرَاهِيمُ فَمَعَهُ سِكِّينٌ وَمَا يَلْزَمُ لِإِشْعَالِ ٱلنَّارِ.‏ فَقَدْ أَمَرَهُ يَهْوَهُ أَنْ يُقَدِّمَ ٱبْنَهُ وَحِيدَهُ ذَبِيحَةً!‏ —‏ تك ٢٢:‏١-‏٨‏.‏

٤ وَاجَهَ إِبْرَاهِيمُ آنَذَاكَ أَعْظَمَ ٱمْتِحَانٍ لِإِيمَانِهِ.‏ وَيَرَى ٱلْبَعْضُ أَنَّ ٱللهَ كَانَ قَاسِيًا لِأَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُقَدِّمَ ٱبْنَهُ ذَبِيحَةً،‏ وَيَقُولُ آخَرُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ أَطَاعَ طَاعَةً عَمْيَاءَ مُجَرَّدَةً مِنَ ٱلْمَشَاعِرِ.‏ لٰكِنَّ مَنْ يَتَبَنَّى هٰذَا ٱلْمَوْقِفَ يَفْتَقِرُ إِلَى ٱلْإِيمَانِ وَلَا يَعْرِفُ عَنْهُ شَيْئًا.‏ (‏١ كو ٢:‏١٤-‏١٦‏)‏ فَإِبْرَاهِيمُ لَمْ يُطِعْ يَهْوَهَ طَاعَةً عَمْيَاءَ.‏ بَلْ رَأَى بِعَيْنِ ٱلْإِيمَانِ أَنَّ أَبَاهُ ٱلسَّمَاوِيَّ لَا يَطْلُبُ مُطْلَقًا مِنْ خُدَّامِهِ شَيْئًا يُسَبِّبُ لَهُمْ أَذًى دَائِمًا.‏ فَقَدْ أَيْقَنَ إِبْرَاهِيمُ أَنَّ إِطَاعَةَ ٱللهِ سَتَعُودُ بِٱلْبَرَكَاتِ عَلَيْهِ وَعَلَى ٱبْنِهِ ٱلْحَبِيبِ.‏ وَعَلَامَ ٱرْتَكَزَ إِيمَانُهُ؟‏ عَلَى ٱلْمَعْرِفَةِ وَٱلْخِبْرَةِ.‏

٥ كَيْفَ تَعَرَّفَ إِبْرَاهِيمُ بِيَهْوَهَ،‏ وَكَيْفَ أَثَّرَتْ فِيهِ هٰذِهِ ٱلْمَعْرِفَةُ؟‏

٥ اَلْمَعْرِفَةُ.‏ تَرَبَّى إِبْرَاهِيمُ فِي مَدِينَةٍ كَلْدَانِيَّةٍ تُدْعَى أُورَ.‏ وَكَانَ أَهْلُهَا،‏ بِمَنْ فِيهِمْ أَبُوهُ تَارَحُ،‏ مُنْغَمِسِينَ فِي عِبَادَةِ ٱلْأَصْنَامِ.‏ (‏يش ٢٤:‏٢‏)‏ فَكَيْفَ تَعَرَّفَ إِبْرَاهِيمُ بِيَهْوَهَ؟‏ لَا يُخْبِرُنَا ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ بِٱلتَّحْدِيدِ.‏ لٰكِنَّهُ يَذْكُرُ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ هُوَ مِنَ ٱلْجِيلِ ٱلتَّاسِعِ بَعْدَ سَامِ بْنِ نُوحٍ،‏ وَعَاصَرَهُ نَحْوَ ١٥٠ سَنَةً.‏ طَبْعًا لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَجْزِمَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ تَعَلَّمَ عَنْ يَهْوَهَ مِنْ سَامٍ.‏ لٰكِنَّ سَامًا كَانَ رَجُلًا ذَا إِيمَانٍ قَوِيٍّ،‏ وَيُرَجَّحُ أَنَّهُ أَخْبَرَ عَائِلَتَهُ مَا يَعْرِفُهُ عَنْ يَهْوَهَ.‏ فَبَلَغَتْ هٰذِهِ ٱلْمَعْرِفَةُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ بِطَرِيقَةٍ مَا،‏ فَحَبَّبَتْ يَهْوَهَ إِلَيْهِ وَشَكَّلَتْ أَسَاسًا لِإِيمَانِهِ.‏

٦،‏ ٧ مَا ٱلَّذِي مَرَّ بِهِ إِبْرَاهِيمُ وَقَوَّى إِيمَانَهُ بِيَهْوَهَ؟‏

٦ اَلْخِبْرَةُ.‏ مَا ٱلَّذِي مَرَّ بِهِ إِبْرَاهِيمُ وَقَوَّى إِيمَانَهُ بِيَهْوَهَ؟‏ مِنَ ٱلْمَعْرُوفِ أَنَّ ٱلْأَفْكَارَ تُوَلِّدُ ٱلْمَشَاعِرَ،‏ وَٱلْمَشَاعِرَ تُؤَدِّي بِدَوْرِهَا إِلَى أَعْمَالٍ.‏ فَمَا تَعَلَّمَهُ إِبْرَاهِيمُ عَنْ يَهْوَهَ حَرَّكَ مَشَاعِرَهُ وَوَلَّدَ فِيهِ خُشُوعًا وَتَوْقِيرًا لِيَهْوَهَ ٱللهِ «ٱلْعَلِيِّ،‏ خَالِقِ ٱلسَّمَاءِ وَٱلْأَرْضِ».‏ (‏تك ١٤:‏٢٢‏)‏ وَٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ يُسَمِّي هٰذِهِ ٱلْمَشَاعِرَ مَخَافَةَ ٱللهِ،‏ أَوِ ‹ٱلتَّقْوَى›،‏ ٱلَّتِي لَا غِنَى عَنْهَا لِكَسْبِ صَدَاقَتِهِ.‏ (‏عب ٥:‏٧؛‏ مز ٢٥:‏١٤‏)‏ وَهٰذِهِ ٱلتَّقْوَى أَدَّتْ إِلَى ٱلْعَمَلِ،‏ دَافِعَةً إِبْرَاهِيمَ إِلَى إِطَاعَةِ يَهْوَهَ.‏

٧ لَقَدْ أَمَرَ ٱللهُ إِبْرَاهِيمَ وَسَارَةَ ٱلْمُسِنَّيْنِ أَنْ يَنْتَقِلَا مِنْ أُورَ إِلَى أَرْضٍ غَرِيبَةٍ.‏ وَكَانَا سَيَعِيشَانِ بَاقِيَ حَيَاتِهِمَا فِي خِيَامٍ.‏ وَرَغْمَ مَعْرِفَةِ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ بِٱنْتِظَارِهِ مَخَاطِرَ عَدِيدَةً،‏ عَقَدَ ٱلْعَزْمَ عَلَى إِطَاعَةِ يَهْوَهَ.‏ فَبَارَكَهُ ٱللهُ وَحَمَاهُ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ.‏ مَثَلًا،‏ عِنْدَمَا أُخِذَتْ مِنْهُ زَوْجَتُهُ ٱلْجَمِيلَةُ سَارَةُ وَكَانَتْ حَيَاتُهُ فِي خَطَرٍ،‏ تَدَخَّلَ يَهْوَهُ وَحَمَاهُمَا عَجَائِبِيًّا.‏ (‏تك ١٢:‏١٠-‏٢٠؛‏ ٢٠:‏٢-‏٧،‏ ١٠-‏١٢،‏ ١٧،‏ ١٨‏)‏ وَهٰذِهِ ٱلتَّجَارِبُ ٱلشَّخْصِيَّةُ قَوَّتْ إِيمَانَ إِبْرَاهِيمَ.‏

٨ كَيْفَ نَكْتَسِبُ ٱلْمَعْرِفَةَ وَٱلْخِبْرَةَ ٱللَّتَيْنِ تُقَوِّيَانِ صَدَاقَتَنَا مَعَ يَهْوَهَ؟‏

٨ إِذًا هَلْ فِي وِسْعِنَا أَنْ نُصْبِحَ أَصْدِقَاءَ ٱللهِ؟‏ نَعَمْ بِٱلتَّأْكِيدِ.‏ فَمَا ٱمْتَلَكَهُ إِبْرَاهِيمُ مِنْ مَعْرِفَةٍ لَيْسَ سِوَى نُقْطَةٍ فِي بَحْرِ ٱلْحِكْمَةِ ٱلَّتِي نَجِدُهَا ٱلْيَوْمَ فِي ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ.‏ (‏دا ١٢:‏٤؛‏ رو ١١:‏٣٣‏)‏ فَكَلِمَةُ ٱللهِ غَنِيَّةٌ بِٱلْكُنُوزِ ٱلَّتِي تُوَسِّعُ مَعْرِفَتَنَا عَنْ «خَالِقِ ٱلسَّمَاءِ وَٱلْأَرْضِ» وَتُنَمِّي ٱحْتِرَامَنَا وَمَحَبَّتَنَا لَهُ.‏ وَفِيمَا تَدْفَعُنَا هٰذِهِ ٱلْمَشَاعِرُ إِلَى إِطَاعَةِ ٱللهِ،‏ نَكْتَسِبُ ٱلْخِبْرَةَ إِذْ نَرَى شَخْصِيًّا فَوَائِدَ إِطَاعَتِهِ.‏ فَنَحْنُ نَلْمُسُ أَنَّ مَشُورَتَهُ تَحْمِينَا وَأَنَّهُ يُبَارِكُنَا وَيُقَوِّينَا.‏ وَنَتَعَلَّمُ أَنَّ خِدْمَتَهُ مِنْ كُلِّ ٱلْقَلْبِ تُشْعِرُنَا بِٱلِٱكْتِفَاءِ وَٱلسَّلَامِ وَٱلْفَرَحِ.‏ (‏مز ٣٤:‏٨؛‏ ام ١٠:‏٢٢‏)‏ وَكُلَّمَا ٱزْدَادَتْ مَعْرِفَتُنَا وَخِبْرَتُنَا،‏ قَوِيَ إِيمَانُنَا بِيَهْوَهَ وَتَوَثَّقَتْ صَدَاقَتُنَا مَعَهُ.‏

كَيْفَ حَافَظَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى صَدَاقَتِهِ مَعَ ٱللهِ؟‏

٩،‏ ١٠ ‏(‏أ)‏ مَاذَا يَلْزَمُ لِتَوْطِيدِ ٱلصَّدَاقَةِ؟‏ (‏ب)‏ مَاذَا يُظْهِرُ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ قَدَّرَ صَدَاقَتَهُ مَعَ يَهْوَهَ وَعَزَّزَهَا؟‏

٩ اَلصَّدَاقَةُ كَنْزٌ لَا يُقَدَّرُ بِثَمَنٍ.‏ ‏(‏اقرإ الامثال ١٧:‏١٧‏.‏)‏ لٰكِنَّهَا لَيْسَتْ مَزْهَرِيَّةً ثَمِينَةً نَشْتَرِيهَا ثُمَّ نَضَعُهَا عَلَى ٱلرَّفِّ لِيَأْكُلَهَا ٱلْغُبَارُ.‏ إِنَّهَا بِٱلْأَحْرَى وَرْدَةٌ تَحْتَاجُ أَنْ نَسْقِيَهَا وَنَعْتَنِيَ بِهَا كَيْ تَعِيشَ وَتَتَفَتَّحَ.‏ وَهٰذَا مَا فَعَلَهُ إِبْرَاهِيمُ.‏ فَقَدْ قَدَّرَ صَدَاقَتَهُ مَعَ يَهْوَهَ وَحَافَظَ عَلَيْهَا.‏ كَيْفَ؟‏

١٠ لَمْ يَكُفَّ إِبْرَاهِيمُ قَطُّ عَنِ ٱتِّقَاءِ ٱللهِ وَإِطَاعَتِهِ.‏ مَثَلًا،‏ حِينَ ٱنْتَقَلَ مَعَ أَهْلِ بَيْتِهِ إِلَى كَنْعَانَ،‏ ظَلَّ يَتْبَعُ تَوْجِيهَ يَهْوَهَ عِنْدَ ٱتِّخَاذِ ٱلْقَرَارَاتِ،‏ صَغِيرَةً كَانَتْ أَمْ كَبِيرَةً.‏ وَقَبْلَ سَنَةٍ مِنْ وِلَادَةِ إِسْحَاقَ،‏ أَيْ حِينَ كَانَ إِبْرَاهِيمُ بِعُمْرِ ٩٩ سَنَةً،‏ طَلَبَ مِنْهُ يَهْوَهُ أَنْ يَخْتَتِنَ هُوَ وَكُلُّ ذَكَرٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ.‏ فَهَلِ ٱعْتَرَضَ عَلَى هٰذِهِ ٱلْوَصِيَّةِ أَوْ سَعَى إِلَى ٱلتَّمَلُّصِ مِنْهَا؟‏ كَلَّا،‏ بَلْ وَثِقَ بِٱللهِ وَأَطَاعَهُ «فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ عَيْنِهِ».‏ —‏ تك ١٧:‏١٠-‏١٤،‏ ٢٣‏.‏

١١ لِمَ قَلِقَ إِبْرَاهِيمُ بِشَأْنِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ،‏ وَكَيْفَ طَمْأَنَهُ يَهْوَهُ؟‏

١١ وَلِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ ٱعْتَادَ أَنْ يُطِيعَ ٱللهَ دَائِمًا،‏ حَتَّى فِي ٱلْمَسَائِلِ ٱلَّتِي تَبْدُو ثَانَوِيَّةً،‏ صَارَتْ صَدَاقَتُهُ مَعَ ٱللهِ أَقْوَى فَأَقْوَى.‏ لِذَا شَعَرَ بِحُرِّيَّةِ أَنْ يَبُوحَ إِلَى يَهْوَهَ بِمَكْنُونَاتِ قَلْبِهِ،‏ فَطَرَحَ عَلَيْهِ ٱلْأَسْئِلَةَ ٱلْمُحَيِّرَةَ ٱلَّتِي تُزْعِجُهُ.‏ عَلَى سَبِيلِ ٱلْمِثَالِ،‏ حِينَ عَلِمَ أَنَّ ٱللهَ سَيُدَمِّرُ مَدِينَتَيْ سَدُومَ وَعَمُورَةَ،‏ خَافَ أَنْ يَهْلِكَ ٱلْبَارُّ مَعَ ٱلشِّرِّيرِ،‏ رُبَّمَا لِأَنَّهُ قَلِقَ بِشَأْنِ ٱبْنِ أَخِيهِ لُوطٍ وَعَائِلَتِهِ ٱلَّذِينَ كَانُوا يَعِيشُونَ فِي سَدُومَ.‏ فَسَأَلَ إِبْرَاهِيمُ بِكُلِّ تَوَاضُعٍ «دَيَّانَ كُلِّ ٱلْأَرْضِ» وَاثِقًا بِعَدْلِهِ.‏ فَأَظْهَرَ لَهُ يَهْوَهُ بِصَبْرٍ مَدَى رَحْمَتِهِ،‏ مُوضِحًا لَهُ أَنَّهُ يَبْحَثُ عَنِ ٱلْأَبْرَارِ وَيَحْفَظُهُمْ،‏ حَتَّى فِي وَقْتِ ٱلدَّيْنُونَةِ.‏ —‏ تك ١٨:‏٢٢-‏٣٣‏.‏

١٢،‏ ١٣ ‏(‏أ)‏ كَيْفَ ٱسْتَفَادَ إِبْرَاهِيمُ لَاحِقًا مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَخِبْرَتِهِ؟‏ (‏ب)‏ كَيْفَ نَعْرِفُ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ وَثِقَ بِيَهْوَهَ؟‏

١٢ لَا شَكَّ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ قَوِيَتْ عَلَاقَتُهُ بِيَهْوَهَ كُلَّمَا ٱزْدَادَتْ مَعْرِفَتُهُ وَخِبْرَتُهُ.‏ وَهٰكَذَا،‏ حِينَ أَمَرَهُ يَهْوَهُ أَنْ يُقَدِّمَ ٱبْنَهُ إِسْحَاقَ ذَبِيحَةً،‏ ٱسْتَطَاعَ أَنْ يَتَأَمَّلَ فِي صِفَاتِ ٱللهِ ٱلَّتِي عَرَفَهَا حَقَّ ٱلْمَعْرِفَةِ.‏ وَبَيْنَمَا هُوَ يَصْعَدُ ٱلْجَبَلَ فِي أَرْضِ ٱلْمُرِيَّا بِخُطًى مُتَثَاقِلَةٍ،‏ كَانَ وَاثِقًا كُلَّ ٱلثِّقَةِ أَنَّ يَهْوَهَ لَمْ يُصْبِحْ بَيْنَ لَيْلَةٍ وَضُحَاهَا إِلٰهًا قَاسِيًا عَدِيمَ ٱلرَّحْمَةِ.‏ وَكَيْفَ نَعْرِفُ ذٰلِكَ؟‏

١٣ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَ إِبْرَاهِيمُ عَنْ خَادِمَيْهِ،‏ قَالَ لَهُمَا:‏ «اُمْكُثَا أَنْتُمَا هُنَا مَعَ ٱلْحِمَارِ،‏ وَأَمَّا أَنَا وَٱلصَّبِيُّ،‏ فَنَذْهَبُ إِلَى هُنَاكَ وَنُؤَدِّي ٱلْعِبَادَةَ وَنَعُودُ إِلَيْكُمَا».‏ ‏(‏تك ٢٢:‏٥‏)‏ فَمَاذَا قَصَدَ بِذٰلِكَ؟‏ هَلْ كَانَ يَكْذِبُ عَلَيْهِمَا بِقَوْلِهِ إِنَّ إِسْحَاقَ سَيَعُودُ،‏ وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّهُ سَيُقَدِّمُهُ ذَبِيحَةً؟‏ كَلَّا.‏ فَٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ يُعْطِينَا فِكْرَةً عَمَّا جَالَ فِي خَاطِرِهِ.‏ ‏(‏اقرإ العبرانيين ١١:‏١٩‏.‏)‏ فَهُوَ يَقُولُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ «حَسِبَ أَنَّ ٱللهَ قَادِرٌ أَنْ يُقِيمَ [إِسْحَاقَ] حَتَّى مِنْ بَيْنِ ٱلْأَمْوَاتِ».‏ فَقَدْ آمَنَ بِٱلْقِيَامَةِ،‏ إِذْ سَبَقَ أَنْ رَأَى كَيْفَ أَحْيَا يَهْوَهُ قِوَاهُ ٱلتَّنَاسُلِيَّةَ هُوَ وَسَارَةَ فِي شَيْخُوخَتِهِمَا.‏ (‏عب ١١:‏١١،‏ ١٢،‏ ١٨‏)‏ وَهٰكَذَا أَدْرَكَ إِبْرَاهِيمُ أَنْ لَا شَيْءَ يَسْتَحِيلُ عَلَى يَهْوَهَ.‏ لِذَا كَانَ وَاثِقًا أَنَّهُ مَهْمَا حَصَلَ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ،‏ فَسَيَرُدُّ يَهْوَهُ إِلَيْهِ ٱبْنَهُ إِسْحَاقَ لِكَيْ تَتِمَّ كُلُّ وُعُودِهِ.‏ لَا عَجَبَ إِذًا أَنْ يُدْعَى إِبْرَاهِيمُ «أَبًا لِجَمِيعِ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ».‏

١٤ أَيَّةُ تَحَدِّيَاتٍ تُوَاجِهُكَ فِي خِدْمَةِ يَهْوَهَ،‏ وَكَيْفَ تَسْتَفِيدُ مِنْ مِثَالِ إِبْرَاهِيمَ؟‏

١٤ وَمَاذَا عَنَّا؟‏ طَبْعًا،‏ لَا يَطْلُبُ يَهْوَهُ مِنَّا ٱلْيَوْمَ أَنْ نُقَدِّمَ أَوْلَادَنَا ذَبِيحَةً.‏ لٰكِنَّهُ يَطْلُبُ أَنْ نُطِيعَهُ حَتَّى حِينَ نَسْتَصْعِبُ تَطْبِيقَ وَصَايَاهُ أَوْ لَا نَفْهَمُ ٱلْقَصْدَ مِنْهَا.‏ فَهَلْ تَخْطُرُ فِي بَالِكَ وَصِيَّةٌ مِنَ ٱللهِ يَصْعُبُ عَلَيْكَ تَطْبِيقُهَا؟‏ يَسْتَصْعِبُ ٱلْبَعْضُ عَمَلَ ٱلْكِرَازَةِ،‏ رُبَّمَا لِأَنَّهُمْ خَجُولُونَ وَيَضْطَرِبُونَ مِنَ ٱلتَّحَدُّثِ إِلَى ٱلْغُرَبَاءِ.‏ وَيَخْشَى آخَرُونَ أَنْ يَكُونُوا مُخْتَلِفِينَ عَنْ رُفَقَائِهِمْ فِي ٱلْمَدْرَسَةِ أَوْ زُمَلَائِهِمْ فِي ٱلْعَمَلِ.‏ (‏خر ٢٣:‏٢؛‏ ١ تس ٢:‏٢‏)‏ فَهَلْ تَشْعُرُ أَحْيَانًا أَنَّ ٱلْمَطْلُوبَ مِنْكَ يَفُوقُ إِمْكَانَاتِكَ،‏ وَكَأَنَّكَ تَصْعَدُ ٱلْجَبَلَ فِي ٱلْمُرِيَّا بِخُطًى مُتَثَاقِلَةٍ مِثْلَ إِبْرَاهِيمَ؟‏ فَلْيَمُدَّكَ مِثَالُهُ وَإِيمَانُهُ بِٱلشَّجَاعَةِ.‏ فَحِينَ تَتَأَمَّلُ فِي أَمْثِلَةِ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَاءِ ٱلْأُمَنَاءِ،‏ تَنْدَفِعُ إِلَى ٱلِٱقْتِدَاءِ بِهِمْ وَٱلِٱقْتِرَابِ إِلَى صَدِيقِكَ يَهْوَهَ.‏ —‏ عب ١٢:‏١،‏ ٢‏.‏

صَدَاقَةٌ تَعُودُ عَلَيْنَا بِٱلْبَرَكَاتِ

١٥ مَاذَا يُشِيرُ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَنْدَمْ قَطُّ عَلَى إِطَاعَتِهِ يَهْوَهَ بِوَلَاءٍ؟‏

١٥ تُرَى هَلْ نَدِمَ إِبْرَاهِيمُ يَوْمًا لِأَنَّهُ أَطَاعَ يَهْوَهَ بِوَلَاءٍ؟‏ لَاحِظْ مَا يَقُولُهُ ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ:‏ «لَفَظَ إِبْرَاهِيمُ نَفَسَهُ ٱلْأَخِيرَ وَمَاتَ بِشَيْخُوخَةٍ صَالِحَةٍ،‏ شَيْخًا وَشَبْعَانَ».‏ (‏تك ٢٥:‏٨‏)‏ فَرَغْمَ أَنَّ قِوَاهُ خَذَلَتْهُ أَخِيرًا حِينَ بَلَغَ مِنَ ٱلْعُمْرِ ١٧٥ سَنَةً،‏ كَانَ بِإِمْكَانِهِ أَنْ يَسْتَعْرِضَ شَرِيطَ حَيَاتِهِ ٱلَّتِي تَمَحْوَرَتْ حَوْلَ صَدَاقَتِهِ مَعَ يَهْوَهَ ٱللهِ وَيَشْعُرَ بِٱلرِّضَى.‏ لٰكِنَّ ٱلْقَوْلَ إِنَّهُ كَانَ «شَيْخًا وَشَبْعَانَ» لَا يَعْنِي أَنَّهُ نَالَ كِفَايَتَهُ مِنَ ٱلْحَيَاةِ وَلَمْ يَرْغَبْ أَنْ يَعِيشَ فِي ٱلْمُسْتَقْبَلِ.‏

١٦ أَيَّةُ أَفْرَاحٍ تَنْتَظِرُ إِبْرَاهِيمَ فِي ٱلْفِرْدَوْسِ؟‏

١٦ لَقَدْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ «يَنْتَظِرُ ٱلْمَدِينَةَ ٱلَّتِي لَهَا أَسَاسَاتٌ حَقِيقِيَّةٌ،‏ ٱلَّتِي ٱللهُ بَانِيهَا وَصَانِعُهَا».‏ (‏عب ١١:‏١٠‏)‏ فَهُوَ آمَنَ أَنَّهُ سَيَرَى يَوْمًا مَا تِلْكَ ٱلْمَدِينَةَ،‏ أَيْ مَلَكُوتَ ٱللهِ،‏ تَحْكُمُ ٱلْأَرْضَ.‏ وَرَجَاؤُهُ هٰذَا سَوْفَ يَتَحَقَّقُ.‏ تَخَيَّلْ كَمْ سَيَفْرَحُ إِبْرَاهِيمُ بِٱلْحَيَاةِ عَلَى أَرْضٍ فِرْدَوْسِيَّةٍ وَٱلِٱسْتِمْرَارِ فِي تَوْطِيدِ صَدَاقَتِهِ مَعَ يَهْوَهَ طَوَالَ ٱلْأَبَدِيَّةِ.‏ وَكَمْ سَيَتَأَثَّرُ حِينَ يَعْرِفُ أَنَّ مِثَالَهُ شَجَّعَ خُدَّامَ يَهْوَهَ عَلَى مَرِّ آلَافِ ٱلسِّنِينَ!‏ كَمَا أَنَّهُ سَيَعْرِفُ أَنَّ ٱلذَّبِيحَةَ عَلَى ذٰلِكَ ٱلْجَبَلِ فِي أَرْضِ ٱلْمُرِيَّا ‹رَمَزَتْ› إِلَى شَيْءٍ أَعْظَمَ بِكَثِيرٍ.‏ (‏عب ١١:‏١٩‏)‏ وَسَيَعْرِفُ أَنَّ ٱلْأَلَمَ ٱلَّذِي أَحَسَّ بِهِ وَهُوَ مُزْمِعٌ أَنْ يُقَدِّمَ إِسْحَاقَ ذَبِيحَةً لَمْ يَكُنْ بِلَا مَغْزًى.‏ فَقَدْ سَاعَدَ مَلَايِينَ ٱلْأُمَنَاءِ عَلَى تَخَيُّلِ ٱلْأَلَمِ ٱلَّذِي شَعَرَ بِهِ يَهْوَهُ حِينَ بَذَلَ ٱبْنَهُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ فِدْيَةً.‏ (‏يو ٣:‏١٦‏)‏ إِنَّ مِثَالَ إِبْرَاهِيمَ يُسَاعِدُنَا جَمِيعًا أَنْ نَزِيدَ تَقْدِيرَنَا لِلْفِدْيَةِ،‏ أَعْظَمِ إِعْرَابٍ عَنِ ٱلْمَحَبَّةِ عَلَى ٱلْإِطْلَاقِ.‏

١٧ مَا هُوَ تَصْمِيمُكَ،‏ وَمَاذَا سَنَتَفَحَّصُ فِي ٱلْمَقَالَةِ ٱلتَّالِيَةِ؟‏

١٧ فَلْيَعْقِدْ كُلٌّ مِنَّا ٱلْعَزْمَ عَلَى ٱلِٱقْتِدَاءِ بِإِيمَانِ إِبْرَاهِيمَ.‏ فَنَحْنُ مِثْلُهُ بِحَاجَةٍ إِلَى ٱلْمَعْرِفَةِ وَٱلْخِبْرَةِ.‏ وَفِيمَا نَسْتَمِرُّ فِي ٱلتَّعَلُّمِ عَنْ يَهْوَهَ وَإِطَاعَتِهِ،‏ سَنَحْصُدُ أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ٱلْبَرَكَاتِ ٱلَّتِي تَنْجُمُ عَنْ خِدْمَتِهِ بِوَلَاءٍ.‏ ‏(‏اقرإ العبرانيين ٦:‏١٠-‏١٢‏.‏)‏ فَلْنُحَافِظْ إِذًا عَلَى صَدَاقَتِنَا مَعَ يَهْوَهَ إِلَى ٱلْأَبَدِ.‏ وَفِي ٱلْمَقَالَةِ ٱلتَّالِيَةِ،‏ سَنَتَفَحَّصُ أَمْثِلَةَ ثَلَاثَةِ أُمَنَاءَ آخَرِينَ كَسَبُوا صَدَاقَةَ ٱللهِ.‏

^ ‏[١] ‏(‏اَلْفِقْرَةُ ٣)‏ فِي ٱلْبِدَايَةِ،‏ دُعِيَ هٰذَا ٱلرَّجُلُ وَزَوْجَتُهُ أَبْرَامَ وَسَارَايَ.‏ لٰكِنَّ ٱللهَ دَعَاهُمَا لَاحِقًا إِبْرَاهِيمَ وَسَارَةَ.‏ وَسَنُشِيرُ إِلَيْهِمَا فِي هٰذِهِ ٱلْمَقَالَةِ بِٱلِٱسْمَيْنِ ٱلْأَخِيرَيْنِ.‏